السبت، 28 يوليو 2018

قهوة الصباح....بقلم الاستاذ كمال عبد الله


تنتشر ظلال شجرة الأكاسيا العجوز وكـأنّها أجنحة طائر أسطوري يحاول حمايتنا...نحن شلّة الكفرة...كما يقال...من سياط الشمس التي تلفح كلّ ما تَطَالُهُ من البشر أو من الحجر..."الشعب يريد إسقاط النظام"...كانت هنالك ثلاث أو أربع عصابات تسرق الوطن...قبل أن يسقط الشعب النظام...فصار ثلاثة أرباع الشعب عصابات بعد أن أسقط الشعب النظام...قطار الفحم الذي يسكن رأسي لا يتوقف عن الضّجيج...أرسلت لي "جميلة الشارع" صورة لها و هي بملابس البحر...سحقت ثلاث حبوب مهدّئة فوق زجاج مكتبي...وضعت المسحوق داخل كأس من الماء ثم شربت ما بالكأس...قال لي أحد أصدقائي من الأطباء بأنّه لا يشك في أنّ معدتي تشبه مكب نفايات لما ألقيه فيها من السموم...عندما تحوّل ثلاثة أرباع الشعب إلى لصوص كثر السياسيون...وكثر الحديث عن النزاهة...ونظافة اليد...شخصيا...؟...أنا لا أصدّق أحدا منهم...أعددت قهوة رائقة الطّعم من البنّ الذي أهدتني إياه " جميلة الشارع" ثم جلست إلى مكتبي لأكتب ما تقرؤونهُ الآن...جسدها وهي بملابس البحر...مغر جدا...ومثير جدا أيضا...تبدو تفاصيله الحميميّة وكأنّها لوحة لمشهد من مشاهد شروق الشّمس كما كان يرسمها رسامو النّهضة...لا أقصد حركة النهضة النهضة التونسية طبعا...فليس لهذه الحركة مبدعون...وحتى الذين يشتغلون على الموسيقى منها، فهم يسرقون ألحان غيرهم المعروفة ثم يركّبون عليها كلمات بائسة لتنتشر بسرعة...أشعلت سيجارة ثمّ بدأت أبحث بين ملفاتي عن صورة بعينها لها...صورة أرسلتها لي وهي ترتدي " جينز" على تي-شيرت...تعجبني كثيرا تلك الصّور...جاء "عز الدّين.و.ح.ع"...ثمّ جاء "فتحي الجبهاوي"...ثم جاء شخص آخر لا أحبّه...ثمّ جاء "كمال" الذي يبدو غاضبا جدا...صار مرورها من أمام مقهى عادل طقسا من الطّقوس الصّباحية التي لا يُسْتَغْنَى عنها...عندما تمشي، متنقّلة من رصيف إلى آخر، يتحرّك كل جزء من جسدها وللحظة ما تعطيني انطباعا مخيفا بأنّ خصرها سوف ينفصل عنها في أيّة لحظة...
- أستاذ....؟....سوف تحضر حفل الفنان "مارسيل خليفة" بالكاف....؟
- طبعا...سوف نذهب كلّنا لحضور الحفل....
همستُ في سرِّهَا ذات مرّة بأنّ طعم ثغرها أحلى بكثير من طعم القهوة...وصفتني بالوقح...ثم ابتسمت...لو استمرّ هذا الصّداع في العبث برأسي فسوف أتناول ثلاث حبات أخرى من هذا المهدّئ التعس...وجه "عزالدّين.و.ح.ع" يوحي لي بأنّ صاحبه يعيش حالة ما من الحب...لم أسأله...سوف ينفرد بي يوما ما...وسوف يبوح لي بمكنون قلبه...
- سي عزالدّين...هل ترغب بمسح حذائك....؟
- لا "سحنون"...شكرا...
أحيانا، أرغب في نقل القارئ نحو عالم سرّي من الجمال...عالم من السّحر...أو لنقل بكل بساطة عالم الجسد...يعجبني جسدها...تعجبني جغرافيا جسدها...زرتها ذات مرّة على أحد أحلامها...لم تحدّثني عن التفاصيل و لكنّها أعلمتني بأنّه قد كان حلما رائعا...شربتُ قهوتي " الألمانية الصنع" ثم قرّرت الخروج من المنزل...يقع منزلي بحي مرتفع شيئا ما وبالقرب من جبل الصنوبر...وهو الجزء الثالث من "قرية المجانين" التي تريد أن تصبح مدينة...ولا وجود لأيّ علاقة بين أسماء أحياء القرية...والحقيقة...هناك حي العزيمة...!!!...هناك حيّ النّصر...!!...كان من المفروض أن تكون كل "قرية المجانين" حيّا واحدا...وكان من المفروض أن يُسمّى " حي الصّبر"...اجتزتُ السّكة الحديد ثم انعطفت يمينا نحو كتبية " سي فرحات"...عندما أصل على مستوى بائع الأحذية المستعملة الشّاب و الذي لا أعرف اسمه تعترضني كل يوم تقريبا امرأة لا أعرف اسمها هي الأخرى...لم أتحدّث عنها قبل اليوم و لكنها جميلة جدا...ومغرية...
- آلو...صباح الخير....كيفكْ...
- شربت البارحة....؟
- نعم....وقد أكملنا السهرة عند أحد أصدقائنا....
- تحدّثتم عنّي....؟
- نعم...
- ماذا قلتم...؟
- أخبرك عندما نلتقي....
- رأسك بخير...؟
- لا...أشعر بأنّه سوف ينفجر....
- خرجتَ من البيت...؟
- نعم...
جاءني " صلاح" النّادل الجديد بقهوتي...كنتُ أفكّر بأشياء كثيرة و لكنّ هذا الصّداع الذي يعبث برأسي لا يعطيني أي فرصة لذلك...لم أر " سمير ولد الحاج" منذ ثلاثة أيّام أو أكثر..."المعتمديّة" جهاز إداري و سياسي استحدثه "الراحل بورقيبة" حتى يكون مثل "ماصٍّ للصّدمات" و ليقف حاجزا بين المواطن والادارة...فلا يمكن لأي مواطن أي يحصل على رخصة أي نشاط الا اذا كانت علاقته بهذا الجهاز الوسخ جيدة...وجيدة تعني أن يكون..."..............."....توقفت شاحنة الاسمنت بالقرب من السوق البلدية...توقفت السيارة الرّباعية الدّفع بالقرب من شاحنة الاسمنت و اتجه الرجلان نحو "مقهى عادل"...أخبرتني بأنّ صاحب السيّارة الرّباعية الدّفع قد أرسل أليها إحدى المومسات مع هديّة....قالت بأنّه يريد أن يحدّثها بأشياء هامة...
- هل عشت قصّة حب قديمة...؟
- نعم...وأريد أن أحدّثك عنها......؟
- كانت عنيفة...؟
- كانت رائعة..
- مضى عليها زمن...؟
- نعم...ولكنها مازالت تعيش في أعماقي و كأنّها قد حصلت بالأمس....
توقّف بائع الخضار عن الصّياح...كان يصرخ معدّدا فوائد الخيار و فوائد البصل في تنقية الكلى من الأوساخ التي تتركها ترسبات الماء الغير صحي...يا ألله كم هي رائعة...!!...عندما أرى جسدها وهو يتأرجح داخل ما كان يسجنه من الثياب الصيفية أنسى قيم الجمال اليوناني...ألقت التّحيّة على "سحنون" ثم سلمته لفافة بها شيء هام على ما يبدو...عندما تمرّ من أمامه...أو عندما تقترب منه....ينسى "سحنون" قططه...وجراءه...و ينسى حتّى ما يكون فيه من الشّغل...عندما انعطفت يسارا باتجاه شجرة الأكاسيا، أحسست بأن قلب صاحب السيارة الرّباعية الدّفع سوف يتوقّف...كانت حركاته منفعلة جدا وهو يسلم "صلاح" الفنجان الذي لم يكمل شرب ما فيه من القهوة....
- صباح الخير....
- صباح المسك ست الحلوات....
- ترافقني قليلا أستاذ....أريد أن أحدّثك بشيء....

كمال عبد الله...تونس....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ناطرين بكرا تا يجي ... بقلم جميلة نيال

ناطرين بكرا تا يجي ناطرين بكرا تا يجي يطوي بحنانه المسأله و يا ريت بشويِّة أمل معهم كمان بنفسجه يمكن نغني بليلنا و يمكن ن...